لكبيرة التاسعة و الأربعون : اللطم و النياحة و شق الثوب و حلق الرأس
صفحة 1 من اصل 1
لكبيرة التاسعة و الأربعون : اللطم و النياحة و شق الثوب و حلق الرأس
الكبيرة التاسعة و الأربعون : اللطم و النياحة و شق الثوب و حلق الرأس و نتفه و الدعاء بالويل و الثبور عند المصيبة
روينا في صحيح البخاري [ عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ليس منا من لطم الخدود و شق الجيوب و دعا بدعوى الجاهلية ]
و روينا في صحيحهما [ عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم : بريء من الصالقة و الحالقة و الشاقة ] الصالقة : التي ترفع صوتها بالنياحة و الحالقة : التي تحلق شعرها و تنتفه عند المصيبة و الشاقة : التي تشق ثيابها عند المصيبة و كل هذا حرام باتفاق العلماء و كذلك يحرم نشر الشعر و لطم الخدود و خمش الوجه و الدعاء بالويل و الثبور
و عن [ أم عطية رضي الله عنها قالت : أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه و سلم في البيعة أن لا ننوح ] رواه البخاري و [ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : اثنتان في الناس هما بهم كفر : الطعن في الأنساب و النياحة على الميت ] رواه مسلم
و [ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : لعن رسول الله صلى الله عليه و سلم النائحة و المستمعة ] رواه تعالى داود و [ عن أبي بردة قال : وجع أبو موسى الأشعري فغشي عليه و رأسه في حجر امرأة من أهله فأقبلت تصيح برنة فلم يستطع أن يرد عليها فلما أفاق قال : أنا بريء مما برىء منه رسول الله صلى الله عليه و سلم إن رسول الله صلى الله عليه و سلم بريء من الصالقة و الحالقة و الشاقة ]
و عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال : أغمي على عبد الله بن رواحة فجعلت أخته تعدد عليه فتقول : و اكذا واكذا فقال حين أفاق : ما قلت شيئا إلا قيل لي أنت كذا أنت كذا أخرجه البخاري
و في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ الميت يعذب في قبره بما نيح عليه ] و عن أبي موسى رضي الله عنه قال : ما من ميت يموت فيقوم باكيهم فيقول : واسيداه واجبلاه واكذا واكذا و نحو ذلك إلا و كل به ملكان يلهزانه : أهكذا أنت ؟ أخرجه الترمذي
و قال صلى الله عليه و سلم : [ النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة و عليها سربال من قطران و درع من جرب ] و قال صلى الله عليه و سلم : [ إنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين : صوت عند نغمة و لهو و لعب و مزامير شيطان و صوت عند مصيبة خمش في وجوه و شق في جيوب ورنة شيطان ] و قال الحسن : صوتان ملعونان مزمار عند نغمة و رنة عند مصيبة
و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ إن هذه النوائح يجعلن صفين في النار فينبحن في أهل النار كما تنبح الكلاب ] و عن الأوزاعي : أن عمر بن الخطاب سمع صوت بكاء فدخل و معه غيره فمال عليهن ضربا حتى بلغ النائحة فضربها حتى سقط خمارها و قال : اضرب فإنها نائحة و لا حرمة لها إنها لا تبكي بشجوكم إنها تهريق دموعها لأخذ دراهمكم و إنها تؤذي موتاكم في قبورهم و أحياكم في دورهم لأنها تنهي عن الصبر و قد أمر الله به و تأمر بالجزع و قد نهى الله عنه
و اعلم أن النياحة : رفع صوت بالندب : تعديد النائحة بصوتها محاسن الميت و قيل : هو البكاء عليه مع ذكر محاسنه
قال العلماء : و يحرم رفع الصوت بإفراط بالبكاء و أما البكاء على الميت من غير ندب و لا نياحة فليس بحرام روينا في صحيح البخاري و مسلم [ عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه و سلم عاد سعد بن عبادة و معه عبد الرحمن بن عوف و سعد بن أبي وقاص و عبد الله بن مسعود رضي الله عنهم فبكى رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما رأى القوم بكاء رسول الله صلى الله عليه و سلم بكوا فقال : ألا تسمعون أن الله لا يعذب بدمع العين و لا بحزن القلب و لكن يعذب بهذا أو يرحم ] و أشار إلى لسانه و روينا في صحيحهما [ عن أسامة بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال سعد : ما هذا يا رسول الله ؟ قال : هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده و إنما يرحم الله من عباده الرحماء ] و روينا في صحيح البخاري [ عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم دخل على ابنه إبراهيم و هو يجود بنفسه فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه و سلم تذرفان فقال له عبد الرحمن بن عوف : و أنت يا رسول الله ؟ قال : يا ابن عوف : إنها رحمة ثم أتبعها بأخرى فقال : إن العين لتدمع و القلب يحزن و لا نقول إلا ما يرضي ربنا و إنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون ]
و أما الأحاديث الصحيحة : أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه فليست على ظاهرها و إطلاقها بل هي مؤولة و اختلف العلماء في تأويلها على أقوال أظهرها و الله أعلم أنها محمولة على أن يكون له سبب في البكاء إما أن يكون قد أوصاهم به أو غير ذلك
قال أصحاب الشافعي : و يجوز قبل الموت و بعده و لكن قبله أولى للحديث الصحيح : [ فإذا وجبت فلا تبكين باكية ] و قد نص الشافعي و الأصحاب لأنه يكره البكاء بعد الموت كراهة تنزيه و لا يحرم و تأولوا حديث [ فلا تبكين باكية ] على الكراهة و الله أعلم
( فصل ) و إنما كان للنائحة هذا العذاب و اللعنة لأنها تأمر بالجزع و تنهى عن الصبر و الله و رسوله قد أمر بالصبر و الاحتساب و نهيا عن الجزع و السخط قال الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر و الصلاة إن الله مع الصابرين }
قال عطاء عن ابن عباس يقول : إني معكم أنصركم و لا أخذلكم قال الله تعالى : { و لنبلونكم } أي لنعاملنكم معاملة المبتلي لأن الله يعلم عاقبة الأمور فلا يحتاج إلى الابتلاء ليعلم العاقبة و لكنه يعاملهم معاملة من يبتلي فمن صبر أثابه على صبره و من لم يصبر لم يستحق الثواب و قول الله { بشيء من الخوف و الجوع } قال ابن عباس : يعني خوف العدو و الجوع يعني المجاعة و القحط { و نقص من الأموال } يعني الخسران و النقصان في المال و هلاك المواشي { و الأنفس } بالموت و القتل و المرض و الشيب { و الثمرات } يعني الحوائج و أن لا تخرج الثمرة كما كانت تخرج ثم ختم الآية بتبشير الصابرين ليدل على أن من صبر على هذه المصائب كان على وعد الثواب من الله تعالى فقال تعالى : { و بشر الصابرين } ثم نعتهم فقال : { الذين إذا أصابتهم مصيبة } أي نالتهم نكبة مما ذكر و لا يقال فيما أصيب بخير مصيبة { قالوا إنا لله } عبيد الله فيصنع بنا ما يشاء { و إنا إليه راجعون } بالهلاك و بالفناء و معنى الرجوع إلى الله الرجوع إلى انفراده بالحكم إذ قد ملك في الدنيا قوما الحكم فإذا زال حكم العباد رجع الأمر إلى الله عز و جل
و [ عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ما من مصيبة يصاب بها المؤمن إلا كفر الله بها عنه حتى الشوكة يشاكها ] رواه مسلم و [ عن علقمة بن مرثد بن سابط عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من أصيب بمصيبة فليذكر مصيبته بي فإنها أعظم المصائب ] و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إذا مات ولد العبد يقول الله للملائكة قبضتم ولد عبدي ؟ فيقولون : حمدك و استرجع فيقول الله تعالى : ابنوا لعبدي بيتا في الجنة و سموه بيت الحمد [ و عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : يقول الله تعالى ما لعبدي عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسب إلا الجنة ] رواه البخاري
و قال عليه الصلاة و السلام : [ من سعادة بني آدم رضاه بما قضى الله و من شقاوة ابن آدم سخطه بما قضى الله تعالى ] و عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : إذا قبض ملك الموت عليه السلام روح المؤمن قام على الباب و لأهل البيت ضجة فمنهم الصاكة وجهها و منهم الناشرة شعرها و منهم الداعية بويلها فيقول ملك الموت عليه السلام : مم هذا الجزع و مم هذا الفزع ؟ فوالله ما انتقصت لأحد منكم عمرا و لا ذهبت لأحد منكم برزق و لا ظلمت لأحد منكم شيئا فإن كانت شكايتكم و سخطكم علي فإني و الله مأمور و إن كان على ميتكم فإنه مقهور و إن كان على ربكم فأنتم به كافرون و إن لي بكم عودة بعد عودة حتى لا أبقي منكم أحدا
و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ و الذي نفسي بيده لو يرون مكانه و يسمعون كلامه لذهلوا عن ميتهم و لبكوا على أنفسهم ]
( فصل في التعزية ) [ عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : من عزى مصابا فله مثل أجره ] رواه الترمذي
و [ عن أبي بردة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال لفاطمة رضي الله عنها : من عزى ثكلى كسي بردا من الجنة ] رواه الترمذي
و [ عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لفاطمة رضي الله عنها : ما أخرجك يا فاطمة من بيتك ؟ قالت : أتيت أهل هذا البيت فترحمت إليهم ميتهم و عزيتهم به ]
و [ عن عمرو حزم عن النبي صلى الله عليه و سلم : ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبة إلا كساه الله من حلل الكرامة يوم القيامة ]
و اعلم رحمك الله أن التعزية هي التصبير و ذكر ما يسلي صاحب الميت و يخفف حزنه و يهون مصيبته و هي مستحبة لأنها مشتملة على الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و هي أيضا داخلة في قول الله تعالى : { و تعاونوا على البر و التقوى } و هذا من أحسن ما يستدل به في التعزية
و أعلم أن التعزية ـ هي الأمر بالصبر ـ مستحبة قبل الدفن و بعده قال أصحاب الشافعي : من حين يموت الميت و تبقى بعد الدفن إلى ثلاثة أيام قال أصحابنا و تكره التعزية بعد ثلاثة أيام لأن التعزية تسكن قلب المصاب و الغالب سكون قلبه بعد الثالثة فلا يجدد له الحزن هكذا قاله الجماهير من أصحابنا و قال أبو العباس من أصحابنا : لا بأس بالتعزية بعد ثلاثة أيام بل تبقى أبدا و إن طال الزمان قال النووي رحمه الله و المختار أنها لا تفعل بعد ثلاثة أيام إلا في صورتين استثناهما أصحابنا و هما إذا كان المعزى أو صاحب المصيبة غائبا حال الدفن و اتفق رجوعه بعد ثلاثة أيام و التعزية بعد الدفن أفضل منها قبله لأن أهل الميت مشغولون بتجهيزه و لأن وحشتهم بعد دفنه لفراقه أكثر هذا إذا لم ير منهم جزعا فإن رآه قدم التعزية ليسكنهم و الله أعلم و يكره الجلوس للتعزية يعني أن يجتمع أهل الميت في بيت ليقصدهم من أراد التعزية و لفظ التعزية مشهور و أحسن ما يعزى به ما روينا في الصحيحين [ عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال : أرسلت إحدى بنات رسول الله صلى الله عليه و سلم للرسول تدعوه و تخبره أن ابنا لها في الموت فقال عليه الصلاة و السلام للرسول : ارجع إليها فأخبرها إن لله ما أخذ و له ما أعطى و كل شيء عنده بأجل مسمى فمرها فلتصبر و لتحتسب ] و ذكر تمام الحديث قال النووي رحمه الله : فهذا الحديث من أعظم قواعد الإسلام المشتملة على مهمات كثيرة من أصول الدين و فروعه و الأداب و الصبر على النوازل كلها و الهموم و الأسقام و غير من ذلك من الأغراض
و معنى قوله صلى الله عليه و سلم : [ إن لله ما أخذ ] أن العالم كله ملك لله لم يأخذ ما هو لكم بل هو أخذ ما هو له عندكم في معنى العارية و قوله : [ و له ما أعطي ] ما وهبه لكم ليس خارجا عن ملكه بل هو له سبحانه يفعل فيه ما يشاء [ و كل شيء عنده بأجل مسمى ] فلا تجزعوا فإن من قبضه فقد انقضى أجله المسمى فمحال تأخيره أو تقديمه عنه فإذا علمتم هذا كله فاصبروا و احتسبوا ما نزل بكم و الله أعلم
و [ عن معاوية بن أياس عن أبيه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم : أنه فقد رجلا من أصحابه فسأل عنه فقالوا : يا رسول الله ابنه الذي رأيته هلك فلقيه النبي صلى الله عليه و سلم فسأله عن ابنه فأخبره أنه هلك فعزاه عليه ثم قال : يا فلان إيما كان أحب إليك أن تمتع به عمرك أو لا تأتي غدا بابا من أبواب الجنة إلا وجدته قد سبقك إليه يفتحه لك ؟ فقال : يا نبي الله يسبقني إلى الجنة يفتحها لي و هو أحب إلي قال : فذلك لك فقيل : يا رسول الله هذا له خاصة أم للمسلمين عامة ؟ قال : بل للمسلمين عامة ] و [ عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه خرج إلى البقيع فأتى امرأة جاثية على قبر تبكي فقال لها : يا أمة الله اتقي الله و اصبري قالت : يا عبد الله إني أنا الحرى الثكلى قال : يا أمة الله اتقي الله و اصبري قالت : يا عبد الله لو كنت مصابا عذرتني قال : يا أمة الله اتقي الله و اصبري قالت : يا عبد الله قد أسمعتني فانصرف قال : فانصرف عنها رسول الله صلى الله عليه و سلم و بصر بها رجل من المسلمين فأتاها فسألها ما قال لك الرجل ؟ فأخبرته بما قال و بما ردت عليه فقال لها أتعرفينه ؟ قالت : لا و الله قال : ويحك ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم فبادرت تسعى حتى أدركته فقالت : يا رسول الله أصبر قال : إنما الصبر عند الصدمة الأولى ] أي إنما يجمل الصبر عند مفاجأة المصيبة و أما فيما بعد فيقع السلو طبعا و في صحيح مسلم : مات ابن لأبي طلحة من أم سليم فقالت لأهله : لا تحدثوا أبا طلحة حتى أكون أنا أحدثه فجاء أبو طلحة فقربت إليه عشاء فأكل و شرب ثم تصنعت له أحسن ما كانت تتصنع قبل ذلك فوقع بها فلما رأت أنه قد شبع و أصاب منها قالت : يا أبا طلحة أرأيت لو أن قوما أعاروا عاريتهم أهل بيت فطلبوا عاريتهم ألهم أن يمنعوهم ؟ قال : لا قالت أم سليم : فاحتسب ابنك قال : فغضب أبو طلحة فقال : تركتني حتى إذا تلطخت أخبرتني بابني و الله لا تغلبيني على الصبر فانطلق حتى أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فاخبره بما كان فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ بارك الله لكما في ليلتكما ] فذكر الحديث و في الحديث : [ ما أعطي أحدا عطاء خيرا و أوسع من الصبر ] و قال علي رضي الله عنه للأشعث بن قيس : إنك إن صبرت إيمانا و احتسابا و إلا سلوت كما تسلو البهائم و كتب حكيم إلى رجل قد أصيب بمصيبة : إنك قد ذهب منك ما رزئت به فلا يذهبن عنك ما عرضت عنه و هو الأجر و قال آخر : العاقل يصنع أول يوم من أيام المصيبة ما يفعله الجاهل بعد خمسة أيام قلت : قد علم أن ممر الزمان
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى